Tuesday, April 30, 2013


قصة رحلة ترجمة كتاب "كيف تعمل الأشياء: فيزياء الحياة اليومية"
الحائز على جائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة في دورتها السادسة


تحية عطرة لمتابعي التغريدات الليلة عن تجربتي في ترجمة كتاب "كيف تعمل الأشياء: فيزياء الحياة اليومية" وأسأل الله أن تجدوا فيها الفائدة والحماس للمضي في طريق الترجمة والتأليف وإثراء المكتبة العربية بالكتب المفيدة..

بسم الله نبدأ، ويسعدني الرد على أسئلتكم والسماع لتعليقاتكم..

بدأ مشوار ترجمة كتاب "كيف تعمل الأشياء" في عام 1429 هـ واستغرق المشروع ثلاث سنوات لإتمامه ..

السؤال الأول، لماذا فكرت في ترجمة الكتب؟

لي مشوار طويل في تدريس الطالبات في الجامعة، كما أنني دربت معلمات فيزياء وطالبات في التعليم العام فتلمست صعوبة فهم الفيزياء بغير اللغة الأم، كما شعرت أن صعوبة الفيزياء لم تكن بصعوبة الفيزياء بشكل أساسي ولكن لأنه لم يوجد مرجع يساعد على فهم الفيزياء..

صحيح توجد بعض كتب الفيزياء باللغة العربية (سواء مترجمة أو مؤلفة، ولكن في الغالب يصعب فهمها بالرغم من أن لغتها عربية أو لأن الكتاب يعتمد في أساسه على المعادلات الرياضية أكثر من المفهوم الفيزيائي.
وحيث انني في الدورة الواحدة قد أدرب 30 معلمة أو طالبة، وكذلك الفصل الدراسي الذي أدرسه، فوجدت أنني لو استطعت توفير كتاب يعين الراغبين في فهم الفيزياء سيكون أثره أكبر من هذه الدورات لأنه يستطيع أن يصل لشريحة أكبر..

من هنا أوجدت لنفسي هدف ترجمة كتاب فيزيائي قد يساعد المعلمون والطلبة سواء في التعليم العام أو العالي.

السؤال الثاني، لماذا اخترت كتاب "كيف تعمل الأشياء: فيزياء الحياة اليومية"؟

بدات الآن رحلة اختيار الكتاب الذي أعتقد أنه سيخدم فهم الفيزياء بشكل جيّد.. كما ذكرت هناك كتب كثيرة يمكن الاختيار منها وقد سبقت لترجمتها مثل كتاب "سيروي" وكتاب "بوش" ولكني لم أرغب في ترجمة مثل هذه الكتب لأنني لن أضيف شيء جديد للمكتبة العربية..

كنت أرغب في كتاب يركّز على المفاهيم الفيزيائية أكثر من التمثيل الرياضي لها.. وبعد قراءتي لمقالات تربوية تذكر بحوث قامت بدراسة تحصيل الطلبة في مادة فيزياء 101 عند أخذهم لمادة تسبق ذلك تختص في مفاهيم الفيزياء فقط، حيث ووجدت هذه الدراسات أن تحصيل الطلبة كان أفضل ممن لم يأخذ مادة المفاهيم أولا، ازددت يقينا بأن الكتاب الذي يجب أن أترجمه يجب أن يرتكز على المفاهيم..

وهنا قررت ترجمة أحد الكتابين، كتاب كيف تعمل الأشياء لمؤلفه لويس بلومفيلد وكتاب الفيزياء مفاهيم الفيزياء لمؤلفه بول هيويت..

بعد المفاضلة بين الكتابين، قررت اختيار كتاب كيف تعمل الأشياء، لأنني شعرت أنه من خلال الكتاب لن أستطيع فقط مساعدة معلمي وطلبة الفيزياء في فهم الفيزياء ولكن حتى أفراد المجتمع الذين يرغبون في فهم العلوم بشكل مبسط سيجدون بين دفتي هذا الكتاب شيء مفيد والذي سيساهم في رفع وعي المجتمع في فهم القضايا العلمية التي تلامس حياتهم.

بعد تحديد الكتاب بدأت ترتيبات الحصول على حقوق الترجمة من الناشر.

السؤال الثالث، ما هي الإجراءات اللازمة للحصول على حقوق الترجمة؟

الناشر الأساسي لكتاب "كيف تعمل الأشياء" هو جون وايلي. تواصلت معهم ابتداء لمعرفة موافقتهم على إعطائي حقوق الترجمة ولكن لم أجد استجابة. فتواصلت مع مؤلف الكتاب ونقلت له رغبتي في ترجمة كتابه فرحب كثيرا بذلك وذكر أنه يدرس بعض الطلبة العرب وسيكون وجود الكتاب بالعربي مفيدا.. وساعدني د. بلومفيلد في الإتصال بالناشر.

بالتواصل مع الناشر أبلغوني بأنهم لا يمنحون حقوق الترجمة للأفراد ولكن يجب أن يكون ذلك عن طريق دار نشر في منطقتي، فبدات بالبحث عن دار نشر تتبنى هذا المشروع ولكن للأسف العديد من دور النشر اعتذروا عن تبني المشروع لأن الكتاب علمي ولن يجد إقبال وبالتالي هو مشروع فاشل لهم.. حاولت توضيح أنه ليس كتابا علميا متخصصا ولكنه من كتب العلمية الجماهرية ولكن ذلك لم يفيد..

في تلك الأثناء بدأت جامعة الملك عبدالعزيز، جزاها الله خيرا، بمشروع دعم ترجمة الكتب، فوجدتها فرصة ممتازة! فتقدمت بطلبي والحمد لله تمت الموافقة عليه بحيث يتولى مركز النشر العلمي بالجامعة بطباعة ونشر الكتاب.

تواصل مركز النشر العلمي بجامعة الملك عبدالعزيز مع الناشر جون وايلي وحصل على حقوق الترجمة ووقع معهم عقد بالمشروع وتم تبليغي بالبدء في ترجمة الكتاب. كان الاتفاق مع الجامعة أن أنهي الترجمة في 9 أشهر! فلم يكن لدي أي وقت لإهداره (ولكن الحمد لله بعد ذلك وافقوا على تمديد المشروع لعام إضافي).

السؤال الرابع، ما هي الخطة المتبعة في الترجمة؟

توارد لي عدة أسئلة في هذه المرحلة، كم من الوقت الذي احتاج أن أقضيه يوميا في الترجمة بحيث أنتهي منه في 9 أشهر؟ من سيقوم بمراجعة الترجمة؟ كيف يمكن أن أستفيد ممن سبقوني في هذا المشوار؟ ما هي الصعوبات التي قد تواجهني؟ ما هي القواميس العلمية التي يمكن أن أستفيد منها؟

تواصلت مع أ.د. ابراهيم ناصر من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حيث له خبرة في تاليف كتب فيزياء بالعربية، ولعل أهم نصيحة أخذتها منه هي ضرورة عمل ضبط للمصطلحات بداية، وقام مشكورا بإعطائي بعض القوائم التي أعدها.

وبحثت عن قواميس للمفردات الفيزيائية بالعربي وتحصلت على مجموعة ولكن من الصعوبات التي واجهتها أنها في بعض الأحيان لا يوجد اتفاق على اسم المصطلح بالعربي!

ثم انتقلت لوضع الخطة الزمنية لأنها أسهل شيء J فالصعوبة ليست في وضع الخطة ولكن الصعوبة في الاستمرار عليها!
أول تخمين لي أنه يمكنني ترجمة صفحة واحدة في نصف ساعة، ولكن الأمر يحتاج أكثر من تخمين، لابد من القياس! فأحضرت ساعة إيقاف وبعيدا على كل المشتتات بدأت في ترجمة صفحة وتبين لي بعدها أن الصفحة الواحدة تأخذ مني ساعة ونصف! وهذا إن لم أتوقف لإيجاد مصطلح أو محاولة التفكير في صياغة أفضل لتوضيح المعنى..

في ذلك العام قدمت على إجازة تفرغ علمي من الجامعة للعمل على مشروع بحثي وعلى ترجمة الكتاب فكان عليّ تقسيم وقتي بين العملين..

بعد تقسيم عدد الصفحات على 9 أشهر وجدت أنني يجب أن أترجم صفحتين يوميا ولكن لانشغالي في البحث أخذ مني الكثير من الوقت اضطررت للقيام بترجمة 4 صفحات في اليوم (7 أيام في الاسبوع بما في ذلك الإجازات J )، أي احتاج على الأقل 6 ساعات عمل يوميا على الترجمة (ولكن في الكثير من الأوقات أحتجت 10 ساعات عمل يوميا).
وضعت التقسيم في ملف اكسل ووضعته على سطح المكتب، بحيث أظلل كل يوم الأربع صفحات التي انتهي من ترجمتها..

هذه صورة الجدول J   
التظليل الأصفر هو يوم الجمعة من كل اسبوع، وهو اليوم الذي أسلم فيه حصاد الأسبوع للمراجعة.




الآن بدات بالتفكير من يستطيع مراجعة الترجمة لي ويعمل معي بشكل اسبوعي طوال 9 أشهر، فكانت اختياري بلا منازع طالبتي أسية أكيورت، لأنها فيزيائية، ولأنها متميزة في اللغتين العربية والانجليزية.. فبعد موافقة أسية وعمل جدول لها مثل جدول بإزاحة اسبوع واحد (الاسبوع الأول) بدانا وكنا كل جمعة أرسل لأسية حصاد الاسبوع من الترجمة وهي ترسل لي حصاد الاسبوع من المراجعة.

لم أقم بالترجمة باستخدام ورقة وقلم، ولكن لتوفير الوقت وللتسهيل كنت أطبع على الكمبيوتر مباشرة، ولكم أن تتخيلوا صعوبة تثبيت الكتاب والنظر فيه ثم الطباعة! وأيضا صعوبة حمل الكتاب دائما مع اللاب توب وخصوصا أنني كنت في سفر للعمل على مشروع بحثي.. فتفصيل الكتاب لأجزاء كان حلا.. ولكن الأفضل هو ما قام به والدي حفظه الله وجزاه عني خير الجزاء، أن قام بمسح الكتاب كاملا وتحويله كنص انجليزي (حيث لم أتمكن من الحصول على نسخة من الكتاب الانجليزي كملف مفتروح).. عندها لم احتاج للنظر في الكتاب حيث النص الانجليزي الآن في ملف word
كان العمل سباقا مع الزمن! مهما كان الامر لابد الانتهاء من مهمة اليوم وإلا أضيفت على اليوم التالي! أذكر أنني ترجمت في طائرات وقطارات وباصات وفي أي مكان فقط لكي أنهي العمل اليومي المطلوب، ولكن هذا كان له ضريبة!

بعد العمل لأشهر متواصلة وساعات متواصلة مع وضعية يدي دائما في حالة التثبيت على لوحة مفاتيح اللاب توب بدأت أشعر بآلام في يديّ مع الرعشة اللاإرادية توقظني حتى من نومي.. فكان لزاما أن أتوقف عن الطباعة اسبوع لحين عودة يدي لوضعها الطبيعي.. طبعا كنت قلقة من الوقت ولكن كان يجب عليّ أن لا ألقي بنفسي على التهلكة أيضا فالعواقب قد تكون وخيمة..

الحمد لله مع الراحة والتمارين استطعت العودة للترجمة بعد اسبوع مع أخذ فترات راحة كل ربع ساعة واستمر الوضع هكذا بعدها تم الموافقة على تمديد فترة التسليم فارتحت أكثر ولله الحمد وقللت المجهود اليومي..
كانت أسية تستخدم خاصية تعقب التعديلات في برنامج word وتعيدها لي، ثم أقوم بالتعديلات النهائية..

أخذ منا العمل قرابة عام ونصف للانتهاء من النسخة الأولى من الكتاب المترجم، وبدأنا بالمراجعة.. ثم طلبت من طالبتي رضية النهدي وزميلاتي حصة الفايز ونور الهدى درويش لمراجعة النسخة النهائية..

بالطبع لا يمكن أن يكون أي عمل خالي من الأخطاء، ولكن حاولنا جهدنا أن تكون أقل ما يمكن..

بعدها بدأنا في رحلة إخراج الكتاب، وقامت مشكورة الأستاذة ألاء كوسا بذلك.. وتطلب ذلك نقل النصوص من word لل Indesign وإدراج الرسوم وتعريب الرسومات..  

من صعوبات مرحلة الإخراج هو أنني كنا قد عزمت في بداية مشوار الترجمة أن تكون الأرقام في الكتاب هي الأرقام العربية (والتي نسميها نحن انجليزية) وليست الأرقام الهندية (التي نسميها عربية) وعلى هذا الأساس تم ترقيم صفحات الكتاب والأشكال والمعادلات وأي أرقام في داخل النصوص.. ولكن عند الطباعة طلب منا تحويلها للهندية وكان ذلك بعد نقلها على Indesgin فكان لزاما الآن تغيرها واحدا واحدا في 600 صفحة! وهذا كان عمل شاق جدا ..

الحمد لله تمت العملية على ما يرام وتم تسليم الكتاب لمركز النشر العلمي للطباعة.. وبعد ذلك بذلت الأستاذة شهد جهود كبيرة في متابعة الطباعة والتوزيع وتوصيل الكتاب لأكبر عدد من القراء فلها مني كل الشكر.

السؤال الخامس، ما هي الصعوبات التي واجهتها في الترجمة؟

الصعوبة الأساسية كانت في تعريب بعض المصطلحات.. كنت أقوم بتجريب المصطلحات على الأشخاص فاتصل بزميلة لي من مصر واخرى من سورية وأخرى من العراق ومن السعودية وأسالهم لو ذكرت لكم هذه العبارة ماذا تفهمون منها فأجد ردود مختلفة.. فكانت الصعوبة في إيجاد مصطلح علمي يفهمه جميع العرب..

القواميس كما ذكرت كانت تتفاوت في تعريب المصطلح العلمي، فلجأت لمجمع اللغة العربية في القاهرة وكان من حسن حظي أنهم وضعوا القواميس العلمية على موقعهم الالكتروني ويمكن البحث بالمصطلح ويذكر لك في الهندسة هو كذا وفي العلوم هو كذا وفي الطب هو كذا، الخ.. لقد استفدت من الموقع كثيرا ولكن للأسف مؤخرا تم إزالة الموقع وأسأل الله أن يتمكنوا من إعادته حيث أنه مصدر مهم..

لحل مشكلة عدم التوحيد، وضعت ضبط للمصطلحات في آخر الكتاب لكي يساعد القارئ في فهم المفردات التي تشكل عليه.

مما أحزنني في هذا الموضوع أن كثير من المفردات التي لها علاقة بالآلات لا يوجد لها مصطلح عربي يتداوله الناس ولكن يستخدمون المصطلح الانجليزي.. على سبيل المثال "شاصي" السيارة.. وهذا نتيجة لإهمالنا الصناعة واقتصارنا على استهلاك الآلات وبالتالي لا يوجد لدينا ولم نضطر لتأليف مصطلع عربي فارتضينا استيراد المصطلح مع الآلة.

السؤال السادس، ماذا بعد طباعة الكتاب؟   

الحمد لله بعد طباعة الكتاب، سعدت جدا بالمنتج J وسعدت أكثر عندما أبلغني البعض أنهم وجدوا في الكتاب فائدة، ومنهم اتصال ابنة خالتي (غير فيزيائية) لتقول لي الآن فهمت لماذا تلتصق الملابس عند وضعها في مجففة الملابس J
فكرت خلال هذه الفترة في تقديم الكتاب لجائزة خادم الحرمين الشريفين العالمية للترجمة. كنت أشعر أن الكتاب لن يفوز لعلمي بأنها مسابقة شديدة المنافسة وأن احتمال فوز الكتاب حوالي 5% ولكن عزمت على التقديم للجائزة ليس لنيل الميدالية وإن كانت شرف كبير ولا لنيل الجائزة المالية (وإن كانت مفيدة J ) ولكن لأنني تمنيت أنني إذا فزت بها قد يحدث ذلك أثر كبير فيمن يعرفني سواء من طالباتي أو زميلاتي أو الأفاضل متابعي في تويتر فيشعرون أن لا شيء مستحيل..

في كثير من الأحيان نسمع عن انجازات أناس لكن لأنهم بعيدين جدا، قد يعطينا الانطباع أنهم أناس غير الناس ولكن الحمد لله بقربي من الكثير ومعاشرتي معهم كنت أريد إيصال من خلال نيل هذه الجائزة أنه، بعد توفيق الله، إذا أخذت الجائزة فيمكن لأي منكم أخذ الجائزة أيضا! ورحلة الترجمة قد يكون فيها صعوبات  ولكنها غير مستحيلة وزيادة كتاب في المكتبة العربية يستحق خوض التجربة بعد الاستعانة بالله..

لهذا قررت نقل قصة هذه الرحلة لكم، أسأل الله أن تكون استفدتم منها وأن تكون قد أحدثت فيكم موجة من الحماس وأشعلت فتيل الطموح لمشاريع تعود بالنفع على أمتنا الإسلامية.. مع تذكر قوله تعالى: (واتقوا الله ويعلمكم الله والله بكل شيء عليم)

شكرا للمتابعين وفي أمان الله.

2 comments:

  1. ما شاء الله إنجاز عظيم و أمرأة بطله اعجبني إصرارك الله يوفقك و تترجمي كتب أخرى ،، سؤالي ايش الأشياء المطلوبه منك للدخول فالمنافسه للجائزه

    ReplyDelete